الجمعة، 10 أكتوبر 2008

الساحرة الأصلية.. حكيمة أم شريرة؟

كيف بدأ السحر؟ أكان خيراً أم شراً؟ ''أهوى عمل هذه الأشياء؛ لأنها تعطيني منظورا مختلفا لفترة قصيرة، لكن ذلك المنظور مهم لباقي وجودي الطبيعي في الحياة''.هكذا تحدث الساحر ديفيد بلاين الذي أنهى قبل أيام وبنجاح واحدة من مغامراته المفاجئة، علق نفسه 60 ساعة بالمقلوب فوق حديقة ''سنترال بارك'' بنيويورك.كان المشهد يذكر بمشهد شبيه حدث في العصور الوسطى حين علقت رقاب الساحرات في الساحات العامة لا لأجل المغامرة والمنظور المختلف، بل للإعدام أو الحرق بحجة أنهن يساعدن الشيطان أو يمارسن الجنس معه.. مثلما كان يتم التخلص من الفلاسفة والهراطقة وكل خارج عن تعاليم العقيدة المقننة بحجة الكفر والزندقة.تصورنا التقليدي للساحرة أنها امرأة شريرة قبيحة شعرها أبيض تسكن الطبيعة (الغابة)، وتحمل بيدها عصا تتنقل بها في المعمورة وغير المعمورة، تأمر الكون، فتحول الأمير إلى ضفدع.. وفي ثقافتنا المحلية الحديثة تطلق الزوج من زوجته بسحرها الأسود.. باختصار إنها الشر في الأرض.الصورة المعهودة عن الشريرة القديمة أنها تحيا الليل لتخلط مواد عديدة في قدر ضخم ترفعه فوق حطب مشتعل وتستمر بتحريك السوائل التي تعدت درجة حرارة الغليان، تقوم بمعادلات لتنتج مسحوقا أو مشروبا ذا مفعول سحري غير عادي يفوق قدرات وتصورات البشر.إن كان ذلك حقيقة، فهل كانت الساحرة كيميائية مخترعة أم كانت دجالة؟من أمدها بتلك المعادلات العلمية؟ كيف حصلت على المعرفة في ذلك الوقت الأوروبي المظلم؟يقال إن الصورة المشوهة للساحرة التي تطهو السحر شوهت صورة المرأة إجمالاً.. كما شوهت وسائل الحكمة القديمة.وبمناسبة الحديث.. فإن سيمون دي بوفوار في كتابها (الجنس الآخر) ترى أن المرأة ساحرة في منزلها، إذ تصف كيف أن الطبخ أحد طرق السحر، فمعادلات الأكسدة والغليان والذوبان والتكثيف، وخلط مواد نيئة ذات مذاق مر لإنتاج شيء حلو المذاق لذيذه بحد ذاته سحراً.بعيدا عن سحر الطاهيات.. ماذا عن ساحرات الأمس؟ ولماذا أحرقن؟ أيعود سبب تخلص الكنيسة قديماً من الساحرة للشر بداخلها، أم لأنها أرادت التخلص من كل علم ومنطق؟ هل الشعوذة اليوم هي نفسها السحر القديم.. وكل السحر الموجود اليوم هو شعوذة؟ما الرابط بين الساحرات العصريات والقديمات، أهو فقط اسم لغوي مشترك لا غير.. وهل كانت الساحرات الأوائل شريرات منحطات الأخلاق مثل مشعوذات اليوم؟ أم أن صفة الانحطاط خاصة بنساء ورجال امتهن الشر لا الحكمة؟ تواصلوا والأرواح لإبادة السلام بين العلاقات الإنسانية. السؤال هو كيف تدرجت الحكمة لتتحول إلى خزعبلات تلجأ إليها النساء المنكوبات بأذى المجتمع لفك كربهن وتحرير غضبهن والتنفيس عن مشاعرهن أو لإيذاء الغير.قد يكون السحرة الجدد قاموا بتدنيس الأصول الحقيقية وتكريس التمادي ببغض وكراهية الفلسفة والحكمة.. لكن هل تم ذلك عن عمد أم عن جهالة وطيش شرير؟تعاريف ومصطلحاتالساحرة عند الويكان تعني الحكيمة.. منزلتها كالفيلسوف تماما بل أشد رقيا في درجات الحكمة كونها استطاعت تحقيق التواصل الروحي مع الكائنات الحية ومع معطيات الطبيعة ومع الكون والأفلاك. وفي بعض المعاجم العربية الساحر هو العالم.. بعض العلوم السحرية تعود إلى علوم الحكمة.وعرف البعض السحر في الستينات على أنه منهج وطريقة علمية، تساعدنا على معرفة أنفسنا وعلى القضاء على الشر والمعاناة. وعرفته Aleister Crowley's على أنه أعلى درجات المعارف الإلهية للفلسفة الطبيعية.معظم تعاريف السحر العلمية لا تخلو من كلمة فن، أو علم وفن أو معرفة أو حكمة.إن أعداداً غير قليلة من الباحثين الغربيين المهتمين بالسحر يعرفونه على أنه الحكمة. دان براون ومن قبله مايكل بايغنت وريتشارد لي، وصفوا أحد أدوات طمس الأنثى المقدسة القديمة.. بدايات الأرثوذوكسية التي أحرقت الساحرات حتى وصل عدد المحترقات الملايين أضرمت النيران بأسرارهن قبل أجسادهن ... يؤكد براون أن قصص ديزني تحمل رمزية معينة، فالأميرة النائمة و''سنووايت'' اسيقظن على قبلة أمير.. وهي بنظره الأنثى المقدسة التي ستستيقظ يوماً ما وتعود لعهدها.. لكن براون لم يحلل رمزية مشاركة الساحرات في قصص ديزني والعلاقة بين الساحرة والأنثى النائمة خاصة بعد تسميم ''سنووايت''. هل كانت تشارك في إيقاظ الأنثى المقدسة أم تنويمها بشكل مؤقت ومدروس؟ولا يفتأ الكاتب البرازيلي باولو كويلهو (الذي احتفى العرب والمسلمون بروايته ساحرة بورتوبيللو) عن ترديد كلمة حكمة ومعرفة في معظم كتبه المتعلقة بالسحر والماورائيات. أما بريدا بطلة روايته الأخيرة (بريدا) ''فبحثها عن المعرفة أرشدها إلى جماعة من الحكماء سيعرفونها على العالم الروحي.. تعلمت على يد ساحر (معلم) يقطن غابة كيف تقضي على خوفها وتثق بالخير الموجود في الحياة، وتحت الأشجار مرتدية الجينز استلقت وأسلمت روحها إلى ساحرة، أنيقة وعصرية المظهر، وجهتها، فعرفت بريدا مصائر أرواحها الأولى.. أين سكنت، من أحبت، وكيف ماتت ''الرواية كلها قائمة على بحث البطلة عن المعرفة.كم منا يتمنى الوصول إلى سر كل شيء..إن كان السحر بمعناه الإنساني القديم الذي يعجب الباحثين عن المعرفة وشيفرات الكون ورسائله.. فهل هناك ضير من أن نكون سحرة؟''قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا'' 68 الكهف.تختصر هذه القصة الحافلة بالغيبيات بحث موسى الإنسان عن المعرفة، وعدم استطاعته في النهاية على ملاحقة الحكمة بذاتها.. ''قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً'' 78 الكهف.الحكمة والعلم اللامحدود خارج إطار القدرة الاستيعابية الإنسانية.. وقد يكون ذلك القصور عن الإحاطة بخط الحكمة في الكون هو سبب الاتهامات التي لاقاها الحكماء والفلاسفة.. لكن قد يأتي يوم يحين به الوقت لنزع صفة الحكمة واسمها عن الأشرار من مشعوذات وأصحاب الخزعبلات الحاليين..

نادين البدير

كاتبه و إعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-

http://www.alraialaam.com/Alrai/Article.aspx?id=84556

* و منشوره أيضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=8360